فصل: تفسير الآيات (181- 185):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (181- 185):

{وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (181) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (182) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (183) أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (184) أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185)}
هذه آية تتضمن الخبر عن قوم مخالفين لمن تقدم ذكرهم في أنهم أهل إيمان واستقامة وهداية، وظاهر لفظ هذه الآية يقتضي كل مؤمن كان من لدن آدم عليه السلام إلى قيام الساعة، قال النحاس: فلا تخلو الدنيا في وقت من الأوقات من داع يدعو إلى الحق.
قال القاضي ابو محمد: سواء بعد صوته أو كان خاملاً، وروي عن كثير من المفسرين أنها في أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وروي في يذلك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «هذه الآية لكم، وقد تقدم مثلها لقوم موسى».
وقوله تعالى: {والذين كذبوا بآياتنا} الآية وعيد، والإشارة إلى الكفار و{سنستدرجهم} معناه سنسوقهم شيئاً بعد شيء ودرجة بعد درجة بالنعم عليهم والإمهال لهم حتى يغتروا ويظنوا أنهم لا ينالهم عقاب، وقوله: {من حيث لا يعلمون} معناه من حيث لا يعلمون أنه استدراج لهم، وهذه عقوبة من الله على التكذيب بالآيات، لما حتم عليهم بالعذاب أملى لهم ليزدادوا إثماً وقرأ ابن وثاب والنخعي {سيستدرجهم} بالياء.
وقوله: {أملي} معناه أؤخر ملاءة من الدهر أي مدة وفيها ثلاث لغات فتح الميم وضمها وكسرها، وقرأ عبد الحميد عن ابن عامر {أن كيدي} على معنى لأجل أن كيدي، وقرأ جمهور الناس وسائر السبعة {إن كيدي} على القطع والاستئناف، و{متين} معناه قوي، قال الشاعر: [الطويل]
لإلٍّ علينا واجب لا نضيعه ** متين قواه غير منتكثِ الحبل

وروى ابن إسحاق في هذا البيت أمين قواه، وهو من المتن الذي يحمل عليه لقوته، ومنه قول الشاعر وهو امرؤ القيس: [المتقارب]
لها متنتان حظاتا كما ** أكبَّ على ساعديه النمر

وهما جنبتا الظهر، ومنه قول الآخر:
عدلي عدول اليأس وافتج يبتلى ** أفانين من الهوب شد مماتن

ومنه قول امرئ القيس: [الطويل]
ويخدي على صم صلاب ملاطس ** شديدات عقد لينات متان

ومنه الحديث في غزوة بني المصطلق فمتن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس أي سار بهم سيراً شديداً لينقطع الحديث بقول ابن أبي بن سلول لئن رجعنا إلى المدينة.
وقوله: {أولم يتفكروا ما بصاحبهم} الآية، تقرير يقارنه توبيخ للكفار، والوقف على قوله: {أولم يتفكروا} ثم ابتدأ القول بنفي ما ذكوره فقال: {ما بصاحبهم من جنة} أي بمحمد صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يكون المعنى أو لم يتفكروا أنه ما بصاحبهم من جنة، وسبب نزول هذه الآية فيما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صعد ليلاً على الصفا فجعل يدعو قبائل قريش، يا بني فلان، يا بني فلان يحذرهم ويدعوهم إلى الله فقال بعض الكفار حين أصحبوا هذا مجنون بات يصوت حتى الصباح فنفى الله عز وجل ما قالوه من ذلك في هذا الموطن المذكور وفي غيره، فإن الجنون بعض ما رموه به حتى أظهر الله نوره، ثم أخبر أنه نذير أي محذر من العذاب، ولفظ النذارة إذا جاء مطلقاً فإنما هو في الشر، وقد يستعمل في الخير مقيداً به، ويظهر من رصف الآية أنها باعثة لهم على الفكرة في أمر محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه ليس به جنة كما أحالهم بعد هذه الآية على النظر ثم بين المنظور فيه كذلك أحال هنا على الفكرة ثم بين المتفكر فيه.
وقوله تعالى: {أو لم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء} الآية، هذا أيضاً توبيخ للكفار وتقرير، والنظر هنا بالقلب عبرة وفكراً، و{ملكوت} بناء عظمة ومبالغة، وقوله: {وما خلق الله من شيء} لفظ يعم جميع ما ينظر فيه ويستدل به من الصنعة الدالة على الصانع ومن نفس الإنس وحواسه ومواضع رزقه، والشيء واقع على الموجودات، وقوله: {وإن عسى} عطف على قوله: {في ملكوت} و{أن} الثاني في موضع رفع ب {عسى}، والمعنى توقيفهم على أن لم يقع لهم نظر في شيء من هذا ولا في أنه قربت آجالهم فماتوا ففات أوان الاستدارك ووجب عليهم المحذور، ثم وقفهم بأي حديث أو أمر يقع إيمانهم وتصديقهم إذا لم يقع بأمر فيه نجاتهم ودخولهم الجنة، ونحو هذا المعنى قول الشاعر: [الطويل]
وعن أي نفس بعد نفسي أقاتل

والضمير في قوله: {بعده} يراد به القرآن، وقيل المراد به محمد صلى الله عليه وسلم وقصته وأمره أجمع، وقيل هو عائد على الأجل بعد الأجل إذ لا عمل بعد الموت.

.تفسير الآيات (186- 187):

{مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (186) يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (187)}
هذا شرط وجواب مضمنه اليأس منهم والمقت لهم لأن المراد أن هذا قد نزل بهم وأنهم مثال لهذا، وقرأ نافع وابن كثير وابن عامر والحسن وأبو جعفر والأعرج وشيبة وأبو عبد الرحمن وقتادة {ونذرُهم} بالنون ورفع الراء وكذلك عاصم في رواية أبي بكر، وروى عنه حفص و{يذرُهم} بالياء والرفع، وقرأها أهل مكة وهذا على إضمار مبتدأ ونحن نذرهم أو على قطع الفعل واستئناف القول، وقرأ حمزة والكسائي وأبو عمرو فيما ذكر أبو حاتم بالياء والجزم، وقرأها كذلك طلحة بن مصرف والأعمش {ويذرْهم} بالياء والجزم عطفاً على موضع الفاء وما بعدها من قوله: {فلا هادي له} لأنه موضع جزم، ومثله قول أبي داود: [الوافر]
فأبلوني بليتكم لعلي ** أصالحكم واستدرج بويا

ومنه قول الآخر: [الكامل]
أنّى سلكت فإنني لك كاشح ** وعلى انتقاصك في الحياة وأزدد

قال أبو علي ومثله في الحمل على الموضع قوله تعالى: {لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين} [المنافقون: 10] لأنك لو لم تلحق الفاء لقلت أصدق، وروى خارجة عن نافع {ونذرْهم} بالنون والجزم، والطغيان الإفراط في الشيء وكأنه مستعمل في غير الصلاح، والعمه الحيرة.
وقوله تعالى: {يسألونك عن الساعة} الآية، قال قتادة بن دعامة المراد يسألونك كفار قريش، وذلك ان قريشاً قالت يا محمد إنّا قرابتك فأخبرنا بوقت الساعة، قال ابن عباس: المراد بالآية اليهود، وذلك أن جبل بن أبي قشير وسمويل بن زيد قالا له إن كنت نبياً فأخبرنا بوقت الساعة فإنّا نعرفها فإن صدقت آمنا بك، والساعة القيامة موت كل شيء كان حينئذ حياً وبعث الجميع، هو كله يقع عليه اسم الساعة واسم القيامة، و{أيان} معناه متى وهو سؤال عن زمان ولتضمنها الوقت بنيت، وقرأ جمهور الناس {أيان} بفتح الهمزة، وقرأ السلمي {إيان} بكسر الهمزة، ويشبه أن يكون أصلها أي آن وهي مبنية على الفتح، وقال الشاعر: [الرجز]
أيان يقضي حاجتي أيانا ** أما ترى لفعلها إبانا

قال أبو الفتح وزن {أيان} بفتح الهمزة فَعلان وبكسرها فِعلان، والنون فيهما زائدة، و{مرساها} رفع بالابتداء والخبر، {أيان} ومذهب المبرد أن {مرساها} مرتفع بإضمار فعل ومعناه مثبتها ومنتهاها، مأخوذة من أرسى يرسي، ثم أمر الله عز وجل بالرد إليه والتسليم لعلمه، و{يجليها} معناه يظهرها والجلاء البينة الشهود وهو مراد زهير بقوله: [الوافر].
يمين أو نفار أو جلاء

وقوله: {ثقلت في السماوات والأرض} قال السدي ومعمر عن بعض أهل التأويل: معناه ثقل أن تعلم ويوقف على حقيقة وقتها، قال الحسن بن أبي الحسن معناه ثقلت هيئتها والفزع منها على أهل السماوات والأرض، كما تقول خيف العدو في بلد كذا وكذا، وقال قتادة وابن جريج: معناه ثقلت على السماوات والأرض أنفسها لتفطر السماوات وتبدل الأرض ونسف الجبال، ثم أخبر تعالى خبراً يدخل فيه الكل أنها لا تأتي إلا بغتة أي فجأة دون أن يتقدم منها علم بوقتها عند أحد من الناس، و{بغتة} مصدر في موضع الحال.
وقوله تعالى: {يسألونك كأنك حفيّ عنها} الآية، قال ابن عباس وقتادة ومجاهد: المعنى يسألونك عنها كأنك حفي أي متحف ومهتبل، وهذا ينحو إلى ما قالت قريش إنّا قرابتك فأخبرنا، وقال مجاهد أيضاً والضحاك وابن زيد: معناه كأنك حفي في المسألة عنها والاشتغال بها حتى حصلت علمها، وقرأ ابن عباس فيما ذكر أبو حاتم {كأنك حفي بها}، لأن حفي معناه مهتبل مجتهد في السؤال مبالغ في الإقبال على ما يسأل عنه، وقد يجيء {حفي} وصفاً للسؤال ومنه قول الشاعر: [الطويل]
فلمّا التقينا بين السيف بيننا ** لسائلة عنا حفي سؤالها

ومن المعنى الأول الذي يجيء فيه {حفي} وصفاً لسائل قول الآخر: [الطويل]
سؤال حفي عن أخي كأنه ** بذكرته وسنان أو متواسن

ثم أمره ثانية بأن يسلم العلم تأكيداً للأمر وتهمماً به إذ هو من الغيوب الخمسة التي في قوله عز وجل: {إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث} [لقمان: 34]، وقيل العلم الأول علم قيامها والثاني علم كنهها وحالها، وقوله: {ولكن أكثر الناس لا يعلمون} قال الطبري: معناه لا يعلمون أن هذا الأمر لا يعلمه إلا الله بل يظن أكثرهم أنه مما يعلم البشر.

.تفسير الآيات (188- 189):

{قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آَتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (189)}
هذا أمر في أن يبالغ في الاستسلام ويتجرد من المشاركة في قدرة الله وغيبه وأن يصف نفسه لهؤلاء السائلين بصفة من كان بها فهو حري أن لا يعلم غيباً ولا يدعيه، فأخبر أنه لا يملك من منافع نفسه ومضارها إلا ما سنى الله له وشاء ويسر، وهذا الاستثناء منقطع، وأخبر أنه لو كان يعلم الغيب لعمل بحسب ما يأتي ولاستعد لكل شيء استعداد من يعلم قدر ما يستعد له، وهذا لفظ عام في كل شيء، وقد خصص الناس هذا فقال ابن جريج ومجاهد: لو كنت أعلم أجلي لاستكثرت من العمل الصالح. وقالت فرقة: أوقات النصر لتوخيتها، وحكى مكي عن ابن عباس أن معنى لو كنت أعلم السنة المجدبة لأعددت لها من المخصبة.
قال القاضي أبو محمد: وألفاظ الآية تعم هذا وغيره، وقوله: {وما مسني} يحتمل وجهين وبكليهما قيل، أحدهما أن {ما} معطوفة على قوله: {لاستكثرت} أي ولما مسني السوء والثاني أن يكون الكلام مقطوعاً تم في قوله: {لاستكثرت من الخير} وابتدأ يخبر بنفي السوء عنه وهو الجنون الذي رموه به، قال مؤرج السدوسي: {السوء} الجنون بلغة هذيل، ثم أخبر بجملة ما هو عليه من النذارة والبشارة، و{لقوم يؤمنون} يحتمل معنيين: أحدهما أن يريد أنه نذير وبشير لقوم يطلب منهم الإيمان ويدعون إليه، وهؤلاء الناس أجمع، والثاني أن يخبر أنه نذير ويتم الكلام، ثم يبتدئ يخبر أنه بشير للمؤمنين به، ففي هذا وعد لمن حصل إيمانه.
وقوله تعالى: {هو الذي خلقكم من نفس واحدة} الآية، قال جمهور المفسرين: المراد بالنفس الواحدة آدم عليه السلام بقوله: {وجعل منها زوجها} حواء وقوله: {منها} يريد ما تقدم ذكره من أن آدم نام فاستخرجت قصرى أضلاعه وخلقت منها حواء وقوله: {ليسكن إليها} أي ليأنس ويطمئن، وكان هذا كله في الجنة، ثم ابتدأ بحالة أخرى هي في الدنيا بعد هبوطها، فقال: {فلما تغشاها} أي غشيها وهي كناية عن الجماع، والحمل الخفيف هو المني الذي تحمله المرأة في فرجها، وقرأ جمهور الناس {حَملاً} بفتح الحاء، وقرأ حماد بن سلمة عن ابن كثير {حِملاً} بكسر الحاء، وقوله: {فمرت به} أي استمرت به، قال أيوب: سألت الحسن عن قوله: {فمرت به} فقال: لو كنت امرأً عربياً لعرفت ما هي إنما المعنى فاستمرت به.
قال القاضي أبو محمد: وقدره قوم على القلب كأن المراد فاستمر بها كما تقول أدخلت القلنسوة في رأسي، وقرأ يحيى بن يعمر وابن عباس فيما ذكر النقاش {فمرَت به} بتخفيف الراء، ومعناه فشكت فيما أصابها هل هو حمل أو مرض ونحو هذا، وقرأ ابن عباس {فاستمرت به} وقرأ ابن مسعود {فاستمرت بحملها} وقرأ عبد الله بن عمرو بن العاصي {فمارت به} معناه أي جاءت به وذهبت وتصرفت، كما تقول مارت الريح موراً، و{أثقلت} دخلت في الثقل كما تقول: أصبح وأمسى أي صارت ذات ثقل كما تقول أتمر الرجل وألبن إذا صار ذا تمر ولبن، والضمير في {دعوا} على آدم وحواء.
وروي في قصص هذه الآية أن حواء لما حملت أول حمل لم تدرِ ما هو، وهذا يقوي قراءة من قرأ {فمرَت به} بتخفيف الراء، فجزعت لذلك فوجد إبليس إليها السبيل، فقال لها ما يدريك ما في جوفك ولعله خنزير أو حية أو بهيمة في الجملة وما يدريك من أين يخرج أينشق له بطنك فتموتين أو على فمك أو أنفك؟ ولكن إن أطعتني وسميته عبد الحارث.
قال القاضي أبو محمد: والحارث اسم إبليس، فسأخلصه لك وأجعله بشراً مثلك، وإن أنت لم تفعلي قتلته لك، قال فأخبرت حواء آدم فقال لها ذلك صاحبنا الذي أغوانا في الجنة، لا نطيعه، فلما ولدت سمياه عبد الله، فمات الغلام، ويروى أن الله سلط إبليس على قتله فحملت بآخر ففعل بها مثل ذلك فحملت بالثالث فلما ولدته أطاعا إبليس فسمياه عبد الحارث حرصاً على حياته، فهذا هو الشرك الذي جعلا لله أي في التسمية فقط.
و{صالحاً} قال الحسن معناه غلاماً، قال ابن عباس: وهو الأظهر بشراً سوياً سلياً، ونصبه على المفعول الثاني وفي المشكل لمكي أنه نعت لمصدر أي أتيا صالحاً، وقال قوم إن المعنى في هذه الآية التبيين عن حال الكافرين فعدد النعم التي تعم الكافرين وغيرهم من الناس، ثم قرر ذلك بفعل المشركين السيّئ فقامت عليهم الحجة ووجب العقاب، وذلك أنه قال مخاطباً لجميع الناس {هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها} يريد آدم وحواء أي واستمرت حالكم واحداً كذلك، فهذه نعمة تخص كل أحد بجزء منها، ثم جاء قوله: {فلما تغشاها} إلى آخر الآية وصفاً لحال الناس واحداً واحداً أي هكذا يفعلون فإذا آتاهم الله الولد صالحاً سليماً كما أراده، صرفاه عن الفطرة إلى الشرك، فهذا فعل المشركين الذي قامت الحجة فيه باقترانه مع النعة العامة، وقال الحسن بن ابي الحسن فيما حكى عنه الطبري: معنى هذه الآية: {هو الذي خلقكم من نفس واحدة} إشارة إلى الروح الذي ينفخ في كل أحد.
قال القاضي أبو محمد: أي خلقكم من جنس واحد وجعل الإناث منه، ثم جاء قوله: {فلما تغشاها} إلى آخر الآية وصفاً لحال الناس واحداً واحداً على ما تقدم من الترتيب في القول الذي قبله.